إقبال التميمي

Sunday, October 03, 2010

توسع الديمقراطية حمل للعالم بذور القتل الجماعي


إقبال التميمي

أخذ عالم الاجتماع مايكل مان طريقاً تحول فيه عن البحث في موضوعه المفضل حول ملحمة السيطرة في التاريخ البشري. قاده هذا مباشرة إلى الأهوال الرابضة وسط الحياة المعاصرة.

يقول سكوت ماك ليمي: "غالباً ما تشبه الكتب العلمية، الأهرامات المنصوبة لصغار الموظفين في مصر القديمة. لقد بنوها على أنها الطريقة المثلى للبقاء والخلود، ومع ذلك من الصعب التفريق بينها وبين الأهرامات التي نصبت للملوك". هذه النظرة هي عكس ما نجده في كتاب مصادر السيطرة الاجتماعية الذي ألفّه مايكل مان أستاذ علم الاجتماع في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، والأستاذ الباحث الزائر في جامعة كوينز في بلفاست الذي قالت عنه الجمعية الاجتماعية الأمريكية عند تقديمه حين رشح لجائزة أفضل مؤلف علمي متميز عام 1988: "إنه الرجل الجرئ في مجاله، والطموح في هدفه، والمثير للتحدي" .

بدأ مايكل مان بحثه من فجر حضارة ما بين النهرين مسجلاً ظهور أربعة أشكال مختلفة من السلطة (الفكرية، والعسكرية، والاقتصادية، والسياسية). ووجد طريقه عبر التاريخ كما هو مدوّن في كتابه الثاني الذي نشر عام 1993، حيث امتدت تحليلاته من الحضارات القديمة إلى فترة وقوع الحرب العالمية الأولى. إذا راجعنا جورنال التاريخ الاقتصادي الضخم، نجد بكل بساطة أن المفكرين كثيراً ما لجأوا إلى الاستشهاد بكتاب ماكس ويبر "الاقتصاد والمجتمع" الذي نشره عام 1914، وهو كتاب آخر يلجأ إليه الباحثون بشكل روتيني عند مناقشة أي من أعمال مايكل مان.

لكن حتى هذه النقطة من البحث، يبقى الصرح ناقصاً، لأن القرن العشرين اتضح أنه كابوس. يقول مان "بمجرد أن أنهيت الجزء الثاني بدأت بكتابة الجزء الثالث الذي يكمل القصة بدءا من عام 1914 إلى تاريخ هذا اليوم. لقد استغرقني الأمر سنة في إسبانيا للعمل في معهد تتوفر فيه مكتبة ممتازة لديها مراجع جيدة حول الفاشية، لذلك بدأت بكتابة فصل عن الفاشية وإذا به يمتد ويتوسع ليصبح كتاباً.

كتابه "الفاشية" الذي نشرته دار كمبردج للنشر كان عبارة عن تحليل شامل حول تطور الحركات الفاشية في ستة من الدول الأوروبية بين الحربين العالميتين. بحثه هذا دفعه إلى الكتابة حول محرقة الهولوكوست، والكتابة حول أسوأ ما قامت به الفاشية عندما كانت في السلطة. هذا بدوره قاده لدراسة المزيد حول ساحات الإعدام في كمبوديا، ورواندا، والبلقان. مساهمته في هذا المجال أصبحت الآن تعرف "بالقتل الجماعي النسبي" والذي صدر عن كمبردج ككتاب بعنوان "الجانب المظلم للديمقراطية وشرح التطهير العرقي".

وفي الوقت الذي قام به المستشارون بتلميع فكرة أن العولمة الاقتصادية قامت بإضعاف المثال القديم للسيادة القومية، عرض مايكل مان رؤية مختلفة تماماً للعالم. حيث تحدث عن تبلور مثال الدولة المستقلة على مدى قرون كما يقول، وترسيخ هذا المثال في كل مكان. كما أكد أن الفاشية لن تختفي تماماً قريباً كما يعتقد البعض، وقال أن الفاشية " هي مجرد أحد أكثر الأشكال الأكثر تطرفاً لسياسة الدولة".

أطروحته التي حملت عنوان "الجانب المظلم من الديمقراطية" تثير القلق أكثر، حيث تشير إلى أن توسع الديمقراطية حمل معه عبر العالم بذور القتل الجماعي.

عودة للأعلى

نظام لكن بدون قانون

رؤية مان الشاملة لعلم الاجتماع التاريخي لا تتلخص في وضع صيغ حول نهضة أو سقوط الحضارات أو وضع مقارنة بين كتبه وكتاب أوزوالد سبنغلر الذي حمل عنوان "تدهور الغرب"، أو الدراسة التي قدمها أرنولد توينبي تحت عنوان "دراسة تاريخية". دراسته هي مجرد تشابه فقط على مستوى الطموح.

كتب في رائعته المتمثلة في المجلد الأول، لا يوجد هناك قوانين للاحتمالات في علم الاجتماع، حيث أن عدد الحالات أقل بكثير من عدد الاختلافات التي تؤثر على النتائج. لكن مايكل مان جاء ببعض النظام التحليلي من خلال ما أطلق عليه اسم " الارتباك المزخرف "للتاريخ البشري، بتمييزه لأربع تصنيفات رئيسية للسلطة المؤثرة في فترة زمنية ما. وهي الأشكال السياسية، أو العسكرية، أو الاقتصادية، أو الفكرية.

تنشأ السلطة الاقتصادية حسب رأي مان من حاجة البشر لاستخراج، وتحويل، وتوزيع، واستهلاك الموارد الطبيعية اللازمة لتوفير القوت. وهذه السلطة الاقتصادية تختلف عن السلطة السياسية "السيطرة على الدولة" أو السلطة الفكرية (التي تتشكل من الخرافات والطقوس التي تمنح البشر مدخلاً للمعنى المطلق. كل شكل من أشكال السلطة ينساب في قنواته الخاصة من خلال شبكة من المؤسسات.

وفي مراحل تاريخية محددة، كما يقول مان "قد يكون شكل معين من أشكال السلطة الاجتماعية أساسياً، لكن بشكل عام لا أظن أن العلاقات العامة للسيادة يمكن تأكيدها من خلاله، ومن هذا المنطلق أجد نفسي ميالاً إلى رأي ويبر أكثر من ميلي إلى رأي ماركس".

يخطو مان خطوة أبعد مما وصل إليه ماكس ويبر بالتساؤل عن التعريف الكلاسيكي الألماني للدولة كمؤسسة تمتلك احتكار العنف المشروع، بالنسبة للسيد مان هذا ما يميز القوة العسكرية. أو ما يطلق عليه تعبير "التنظيم الاجتماعي للعنف الجسدي" كسلطة مختلفة لها مؤسساتها ومعاييرها الخاصة. لكن بشكل أساسي ومن حيث المبدأ كل الأشكال العسكرية المنظمة جيداً يمكن أن تستولي على سلطة الدولة، رغم أنه لم يقم بهذا إلا عدد قليل منها.

قد يرتاح المواطن العادي لسماع ذلك وهذا نستطيع تفهمه تماماً. كما سيجتهد علماء الاجتماع لتحقيق تلك المفارقة المذهلة. لكن مع ذلك يشكو مان من أن الباحثين يميلون إلى إهمال العوامل العسكرية والشؤون المتعلقة بالحرب كعوامل مهمة في البناء الاجتماعي. ويسجل ملاحظته قائلاً إنه حتى فترة نشأة النظام الصناعي لم يكن يحصل التبادل التجاري إلا بين مناطق جغرافية قريبة من بعضها البعض. وأن المناطق البعيدة عن بعضها البعض والاختلاف بين الشعوب أصبح متداخلاً بشكل أكبر من خلال قوة السلاح. هذا الرأي دفع بالعديد من الأكاديميين للتعليق على طروحات السيد مان بالإشارة إلى أنه يؤكد على أن القوة العسكرية كانت لها مساهماتها.

عودة للأعلى

الشبكة والقفص

إن وضع نموذج رباعي الأبعاد للسيطرة يبدو تجريدياً وسلمياً إلى حد بعيد. لكن رغم أن مايكل مان رجل عملي في كل الأحوال، إلا أن دبلجته للأربعة طرق المتشعبة الخاصة به لإدماج تشكيلة واسعة من جهد المختصين الذي كان قد عمل عليه غيرهم من الأكاديميين، والتي كان قد أضاف إليها بعض البيانات الإحصائية الاقتصادية التي كانت متوفرة، جعل كل شكل من أشكال السلطة التي كان قد درسها تمثل شبكة مترابطة في صراع ضد بعضها البعض، كما أنها ساهمت في تشكيل بعضها البعض. فكانت النتيجة مجموعة مختلفة من الروايات التاريخية التي أطلق عليها راندال كولينز أستاذ علم الاجتماع في جامعة بنسلفانيا علم المعرفة الحديث.

بدأت طاقة البحث بالتدفق الحقيقي عندما قام مان بتحليل كيفية نهضة دولة الشعب. من وجهة نظره لم تحصل النهضة نتيجة تداخل الأسواق المحلية إلى درجة التداخلات الاقتصاديات الدولية التي نشات فيما بعد تحت شعارات رنانة مثل "لا ضرائب دون تمثيل" أو أن تكون هي التي أعادت تشكيل الدولة لتدعم مصالح العمل. قد يكون كل هذا قد حصل بالفعل، لكن حسب رأيه تطلب الأمر إضافة إلى ذلك أشكالا جديدة من المنظمات العسكرية وانضمام أعداد كبيرة من المجندين إليها. أشخاص ممن لديهم إحساس بالهوية أتوا من حيث كانوا ينتمون إلى قرى معينة ليدركوا بأنفسهم أنهم هم مواطني هذه الأمة.

يقول مان أنه كلما تطور شكل من أشكال السلطة الاجتماعية في شبكته النظرية أدى ذلك إلى ولادة مصالحها. فإيرادات المجموعة التي تجمع من خلال الضرائب يمكن استخدامها ليس فقط في تمويل القوات المسلحة فحسب، بل كذلك في بناء الطرق، والمدارس، والخدمات العامة الأخرى. وبذلك تمنح الدولة "قوة بنية تحتية تدعم نمو الاقتصاد" وأثناء ذلك يصبح الإحساس بالهوية القومية نفسه نوعاً من السلطة الفكرية المنسوجة في نظام التعليم، والإعلام، والمؤسسات السياسية التي ستحاول فيما بعد التحكم بالدولة. وكنتيجة لكل هذه المصالح المتداخلة نشأ ما يطلق عليه تعبير " قفص" الدولة المستقلة. وهو تعبير يلمح إلى نظرية اجتماعية كلاسيكية مهمة. يستشعر ويبر تلك الحياة الحديثة التي انفتحت من خلال قفص البيروقراطية الحديدي.

عودة للأعلى

رجال حروب الشوارع

في كتاب "الفاشيين" ادعى مان أن نهضة الحركات المتسلطة اليمينية بين الحربين العالميتين يمكن فهمها على وجه أفضل كسياسة لتزوير الدولة، ليس كقفص وإنما كمعتقل. تحليلاته هذه تضعه في مواجهة مع تفسيرات الماركسية للفاشية، التي تتعامل معها كجهد عنيف في محاولة للحفاظ على الرأسمالية من تحدي التعبئة اليسارية التي عقبت الحرب العالمية الأولى. كما رفض مان جهود التعامل مع الفاشية على أنها معتقد سياسي شمولي يظهر من خلال ردة الفعل المضادة للتحديث والديمقراطية. مرت أوروبا بأسرها بالأزمة الاقتصادية الشديدة بين الحربين، لم يقم حسب الفاشيون حسب رأيه بأي محاولة جادة لتولي السلطة في البلاد حيث كانت الدولة تسيطر على كلتا المؤسستين الراسختين المتمثلتين بالديمقراطية النيابية الممثلة للشعب والقواعد الراسخة لبنية تحتية للسلطة. في انجلترا على سبيل المثال، كان أعضاء القمصان السوداء من اتحاد أوزوالد موزلي الفاشي البريطاني غريبو الأطوار يحبون انتزاع الانتباه، لكنهم كانوا عديمي الجدوى في كثير من الأمور إضافة إلى إثارة الشغب في الشوارع.

يؤكد مان أن البلاد التي أصبحت الفاشية فيها حركة شعبية، إما أنها سيطرت على الدولة، أو أنها أثّرت عليها. وذكر أنه في كل من ألمانيا، وإيطاليا، والنمسا، وهنغاريا، ورومانيا، وإسبانيا انقسمت سلطات الدولة بين ما هو راسخ التأسيس وبين الجماعات الصغيرة مثل ملاك الأراضي والمؤسسات البرلمانية عديمة الخبرة نسبياً. أطلق مان على هذا التكوين اسم دولة شبه متحررة وشبه متسلطة. كذلك كانت الحركات الفاشية هجينة. وبينما كانت قد يبدو أنها تدعو إلى المجد القومي الطائفي وتنادي بالمجتمع الكامل المحافظ، إلا أنها حسب رأيه وظفت أساليب للإحباط من خلال بطء سرعة النخبة السياسية في إنشاء البنية التحتية التي يفترض أن توفر الخدمات الأساسية للشعب. ومع أن الأفكار الداعية للفاشية بدأت بالانتشار بين الجماعات الصغيرة من المثقفين عبر أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر، إلا أن الحركة انطلقت في أواخر العشرينيات ساحبة خلفها الشباب الذين مروا في تجربة "الحرب الكلية". يقول مان إن الحركات الفاشية خلقت دائماً منظمات شبه عسكرية، إلا أن معظمها ركزّ كثيراً على الحملات الانتخابية وأثبت نجاحه فيها. وكان الفاشيون بشكل عام أعداء للديمقراطية لكنهم كانوا مخلصين لحشد المشاركة الجماعية بطرق عديدة كانت بمثابة لعنة على سلطات المحافظين القدماء.

يقول مان إن درجة الدعم الرأسمالي للحركات الفاشية اختلفت إلى حد بعيد بين الدول المختلفة، ومع ذلك ما كان مشتركاً بينها هو المؤسسات الفاشية الرئيسية التي كان لها مصالح قوية في نمو وحركة الدولة المستقلة. كانوا جنوداً ومحاربين قدماء قبل كل شيء ولكنهم كذلك كانوا في ذات الوقت موظفي حكومة، ومدرسين، وعاملين في القطاع العام. وجميعهم كانوا فاشيون ولكن بدرجات متفاوتة. كما كان للطلاب حضور كثيف أيضاً.

عودة للأعلى

المجر ضد رومانيا

يدعي مان أن عوامل مهمة مثل الاقتصاد ليست كافية لفهم الحركة الفاشية واضعين في عين الاعتبار كمثال التناقض والاختلاف بين المجر (هنغاريا) ورومانيا. كانت في هنغاريا أسوأ فرص عمل للطبقة الوسطى، بينما رومانيا كان لديها الأفضل، لكن كلتا الدولتين أنتجتا الفاشية بين أكثر المتأثرين بها من الطلبة وعمال القطاع العام. يقول مان أن كلتا الدولتين كانتا فاشيتين حيث وظفتا من البروليتاريين أكثر من أولئك من ذوي الخلفية البرجوازية.

في تحليل السيد مان، الفاشية أعجبت ليس فقط أولئك الباحثين عن الحفاظ على وضعهم الراهن أو المنسحبين إلى شكل مبكر من النظام الاجتماعي، لكن كذلك لأولئك الذين أرادوا استمرار التحديث تحت قبضة اليد الحازمة للدولة المستقلة.

إن هزيمة الفاشية على ارض المعركة عام 1945عنت كذلك نهايتها كقوة سياسية في أوروبا حيث فازت أحياناً الأحزاب المتسلطة والكارهة للأجانب باالتمثيل البرلماني. لم توجد حركة امتلكت الشكل الفاشي المكون من خليط من الدعم شبه العسكري والانتخابي النموذجي للفاشية في العشرينيات والثلاثينيات. والتيارات التي تجسد التيارات العدوانية المؤمنة بسيادة الدولة لم تكن قد ظهرت في أوروبا الشرقية أو الاتحاد الفيدرالي الروسي حتى ذلك الحين. لكن هذا لا يعني أن مان كان جاهزاً ليشارك فرانسيس فوكوياما الاحتفال بالديمقراطية المتحررة كنهاية للتاريخ. في كتابه المنتظر "الجانب المظلم للديمقراطية" يدعي مان أن سياسة الدولة والتطهير العرقي متداخلين بطرق تجعل من انتشار الديمقراطية مشكلة.

العنف العرقي كان موجوداً قبل نشوء الدولة المستقلة، ومع هذا يقول مان إن هذا العنف كان أكثر ميلاً إلى أن يستخدم كأداة. فلقد كان القتل إحدى الوسائل التي استخدمتها مجموعة لتخضع بها مجموعة أخرى وبهذا أدخلته إلى نظام الفائز في المجال الاقتصادي أو غيرته، وبهذا وسعّت قوة سيطرة شبكتها الدينية والفكرية.

ينظر مان إلى العنف المستخدم لدفع مجموعة من الأقليات للخروج من الدولة أو تحطيم تلك المجموعة على أنه أسلوب جديد نسبياً في التاريخ. وله صلة مباشرة بظهور أشكال الديمقراطية في المنظمات السياسية. كما يشير إلى التباين الواضح بين المستعمرات الأوروبية الخاضعة للحكم المتسلط وتلك التي يستطيع المستوطنون فيها السيطرة على المؤسسات المحلية. ومثال على ذلك المستعمرات الإسبانية والبرتغالية حيث كان استخدام العنف من قبل الحكومات الدكتاتورية محدوداً. يقول مان إن الأنظمة الدكتاتورية المستقرة كانت تميل إلى الحكم بالتقسيم والتحديد في سعي للموازنة بين متطلبات الجماعات القوية بما فيها مجموعات الأقليات وأن الانتقال إلى الديمقراطية كان يميل إلى التطهير العرقي. عندما أسس المستوطنون المستعمرات في أمريكا الشمالية والولايات الأسترالية حكوماتهم الفعلية والقانونية ازدادت نسبة القتل كذلك. كما أورد مان مثالاً مشابهاً ذكر فيه رواندا. فبين الأعوام 1973 و1994 كانت تسود دكتاتورية الرئيس هابياريما الذي كان من جماعة الهوتو والتي كانت بدورها ظالمة تجاه الأقلية التوتسيّة. لكنها استطاعت إلى حد ما كبح العنف العرقي. تحركت الحكومة الرواندية في السنوات الأولى من التسعينيات وسط تدفق جماعات التوتسي باتجاه ديمقراطية دستورية متعددة الأحزاب. هذه النقلة عجلت من تحول التوترات العرقية باتجاه الإبادة المدبرة. وفي ابريل من عام 1994قام الهوتيون بقتل قبائل التوتسي في حملة منظمة من الإبادة الجماعية بمعدل 300 قتيل في الساعة.

عودة للأعلى

سلطة الشعب

يقول مان إن المشكلة أتت من لبس مشؤوم في جوهر الديمقراطية أو الحكم من قبل الشعب كما كان يسميه المصدر اليوناني للمصطلح. لكن دولة الشعب لا تعني المواطنين العاديين، إنما تعني أولئك الذين يشتركون مع بعضهم بثقافة مختلفة، أي أنهم من الأقليات في دولة الشعب التي تعتبر مستقرة لكنها متسلطة، قد يكون العنف العرقي شيئاً روتينياً لكنه لا يميل إلى النضال من أجل السيطرة على القوة السياسية.

لكن مع الدمقرطة أثبتت القومية العرقية أنها الأقوى، والأكثر قتلاً. عندما تشعر مجموعة بأنها استغلت اقتصادياً أو تعرضت للتهديد من قبل أخرى كما في رواندا مثلاً عندما ازدهرت أحوال التوتسيون أكثر من الهوتيين. أدرج مان سلسلة من الخطوات التي من خلالها قد تصل التوترات إلى أوجها. عند هذه النقطة يبحث الناس عن وسيلة لتطهير دولة الشعب من أي "تلوث" عرقي.

عندما يقول مان إن عنف القتل هو الجانب المظلم من الديمقراطية فهو كما يدعي لا يقوم بشجب المؤسسات الديمقراطية في دولة الشعب ذاتها، كما يؤكد على ضرورة عدم الخلط بين المظاهرات ونسبها إلى أقلية معينة. لأن اختلاف المواطنين حول القضايا المتباينة هو شيء تعترف به الليبرالية كأمر أساسي وضروري للديمقراطية.

لكن حسب رأي ديفيد ليتين أستاذ العلوم السياسية في جامعة ستانفورد فإن مان كان قد استخدم اطلاعه وحدّة نقاشه الدقيق للتشويش على الواقع الاجتماعي بدلاً من توضيحه. في إحدى أطروحاته التي ستنشر من خلال كتابه "تشريح السلطة: النظرية الاجتماعية لمايكل مان" التي ستصدر عن مطبعة جامعة كمبريدج العام المقبل، يقول ليتين أن الديمقراطية ليست هي المتهم الرئيسي في القتل الجماعي، لكن المتهم هو شكل من أشكال السياسة التي تستخدم مفردات وتعبيرات شبيهة بتلك التي يتداولها الديمقراطيون لكنهم يستخدمونها لدلالات أخرى مغايرة تماماً.

كما يقول ليتين إن كتاب "الجانب المظلم للديمقراطية" نفسه يعتمد على شيء من الفوضى بحد ذاته، لأن مان يوحي من خلاله بأنه لأن الديمقراطية والقتل حديثين نسبياً في التاريخ فهما مرتبطان ببعضهما البعض، كما يضيف بأن مان ربط بشكل خاطئ بين ظاهرتين مؤقتتين لكنهما غير مرتبطتين بشكل عشوائي. ومثل هذا النوع من الربط وطرح المسببات يجعل الديمقراطية تبدو وكأنها هي السبب الذي خلف الحرب العالمية، وانتشار الإيدز، وموسيقى الراب.

Labels: , , , , ,

0 Comments:

Post a Comment

<< Home